ناصر زارع

تتشکّل بنیة الخطاب السردی على مستوى القص أو إیصال القصة إلى المتلقی من تضافر ثلاثة مکونات هی: الراوی، والمروی، والمروی له. فـ (الراوی) هو الشخص الذی یروی الحکایة أو یُخبر عنها و ویرتبط الراوی بالمروی من خلال رؤیة تؤطر عملیة الحکی هذه الرؤیة تسمى فی علم السرد بالرؤیة السردیة وزاویة النظر أو وجهة النظر أو التبئیر. وتؤثر الرؤیة السردیة على الخطاب الروائی بناءً ودلالةً فی علاقة جدلیّة، بحیث لا یمکن فهمه إلا من خلال فهمها. لذا تحاول هذه الدراسة بحثها عبر روایة الزمن الموحش للروائی السوری حیدر حیدر، لما لها من أهمیة فی تاریخ الروایة العربیة، لحداثویة خطابها ولتنوّع وتعقّدها التبئیری، معتمدةً منهج جیرار جینیت ومفهوم "التبئیر". ومن النتائج التی توصّلت إلیها، أنّ الخطاب التبئیری للزمن الموحش تنوع ما بین التبئیر الصفر والداخلی والخارجی، وکان الغالب من بینها التبئیر الداخلی بأنواعه الثابت والمتغیّر والمتعدد، ممّا تساوق مع بناء الروایة ودلالاتها، فعلى مستوى البناء تنتمی الروایة إلى تیار الوعی الذی یعتمد تدّفق الذاکرة وانثیال الأفکار والأخیلة ولذا هیمنت علیها مفارقة الاسترجاع زمنیاً وعلى مستوى الدلالة هدَفت الروایة إلى استبطان الشخصیات وفهم سایکولوجیتها مستعینة بالمونولوج والمناجاة.