حسین مهتدی

لقد سعت هذه الدّراسة إلى تناول «بناء المنظور الرّوائی فی ثلاثیة غرناطة»، وقد شغلت «الثلاثیة» حیّزاً واسعاً فی أعمال الرّوائیّة، ولهذا رأینا من المهم جدّاً التّرکیز على البنى الدّلالیة سیّما وأنها الأداة الرّئیسة للبحث فی الوقائع الماضیة والحاضرة. بناء على ذلک سنخصّص الکلام فی «ثُلاثیّة غرناطة» على بنیة الموقع، والمستویین الإیدیولوجی والنّفسیّ، لتبیان أهمیّة البحث فی المنظور الروائی، وبنیة الموقع والدّور مع التّرکیز على المستوى الإیدیولوجی لنُظهر ما تحمله الأدیبة من فکر فذٍّ ونَفَسٍ طموح، وإظهار أهمّیّة ذلک من خلال ما تنطق به الشّخصیّات على لسان الرّواة. یتّضح لنا مما تقدم أنّ الأدیبة تُرکّز فی ثلاثیتها على راوٍ علیم مُتعدّد الظُّهور والغیاب فی الوقت نفسه، إلّا أنّ ظُهور الرّاوی هیمن على غیابه، فالمُستوى الإیدیولوجی فی الثُّلاثیّة یتمثّل بمحاور عدّة، کالدّین، السّیاسة، الاجتماع والتّاریخ، وجمیعها ارتبطت فیما بینها لتُشکّل النّصّ الرّوائی الّذی یُبلور بفکرٍ أخّاذ، فظهرت الکاتبة بوعی تام، وثقافة عمیقة لتاریخ العالم العربیّ، فالحاضر ما هو إلاّ امتداد للماضی، والبحث فی الماضی یُساعد المُتلقّی على فهم حاضره، ومُحاولة المُحافظة على کیانه وعُروبته من أیّ اغتصاب أو اعتداء، وبالفعل هذا ما أرادته الرّوائیّة بحیث استمدّت من الأحداث التّاریخیّة رُؤیة فکریّة وفنّیّة مُعاصرة لتخدم غایاتها السّیاسیّة، والاجتماعیّة والدّینیّة من ناحیة سیسیولوجیّة. وما رأینا ه فی روایة «رضوی عاشور» یُمثّل الوعی بحقیقة الأحداث والصّراع القائم فی غرناطة الّتی رُمز إلیها بفلسطین الیوم ، وهنا إشارة إلى أنّ هذه القضیّة تثیر إشکالیة کبیرة ، سیّما وأنّ هناک إشکالیات حول القضیة، ولهذا تعدّ هذه المقارنة - فلسطین والأندلس-مرفوضة وغیر جائزة على الإطلاق؛ لأن فلسطین عربیة وهی لأبنائها العرب. أمّا الأندلس،قد احتلها العرب وقام الإسبان باستعادتها. أمّا قضیة استعادة فلسطین إلى أهلها العرب هو ما ترمی إلیه الأدیبة «رضوى عاشور»، ونعتقد أنّها تقصد هذه الاستعارة، وأنّ مقارنتها الأندلس بفلسطین جاءت عفواً منها على ما نظن. فقد اعتمدنا فی دراستنا هذه على المنهج البنیوی التکوینی لأنّ «ثُلاثیّة غرناطة» تحکی الوجع النّفسی والاجتماعی والفکری.