حسین مهتدی

یعد مفهوم النسق من المفاهیم الأساسیة التی یرتکز علیها النقد الثقافی المتعامل مع ما هو مستهلک جماهیریاً، إذ یهتم هذا النقد بالوظیفة النسقیة فی النصوص والخطابات، ویستقصی اللاوعی النصی مقوّضاً اللغة البلاغیة التی تتراوح بین تفکیک المشاکل الاجتماعیة بلغة أکادیمیة متعالیة عن الواقع وبعیدة عن المشارکة فی حلحلتها، وبین الانغلاق على الجمال البلاغی دون تجاوزه واهمال أسئلة الفعل والتأثیر. وهذا النسق قد یکون فی الأغانی أو فی الأزیاء أو الحکایات والأمثال مثلما هو فی الأشعار والقصص والروایات والألحان الشعبیّة المسجّعة وغیرها من الفنون. فکل هذه العناصر یتخفى بین ثنایاها الجمالی البلاغی نسق ثقافی ثاوٍ فی المضمر، وهو لیس فی وعی الکاتب فی الغالب، لا یدرکه الناقد إلا باستخدام أدوات خاصة ویعبر دائماً على نقیض المضمر البلاغی ومن خلاله سیبدو الحداثی رجعیاً. حاولت هذه الدراسة، بالاعتماد على المنهج التحلیلی – الوصفی وفی ضوء النقد الثقافی الذی یبحث فی الأنساق الثقافیة المضمرة، رصد وتحلیل نسق الفحولة المضمر فی روایة "مدن الملح" للروائی عبدالرحمن منیف إذ تعد الروایة من أهم النصوص الناقلة للأنساق ، وأیضاً تتناول بعض الأفکار والمفاهیم وطرح بعض التأمّلات. ولقد درسنا فی المحاور الفرعیة تمثلات نسق الفحولة فی هذه الروایة التی أخذت صوراً عدّة مثل: القوة، وإنجاب الذکور، ودونیة المرأة وفوقیة الرجل، والأنویة أو تضخیم الأنا. وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج؛ أهمها: إنّ عبدالرحمن منیف بوعی منه حینا، وعلى غفلة منها أحیانا، جعل نسق الفحولة وراء النسق الجمالی والأدبی، لذا لا تعد روایته تحتفل بالمرکزی فحسب بل صار الهامش محط أنظاره کذلک.