حسین مهتدی

أسس النقد الثقافی منهجاً حدیثاً یهتم بالانتقال من النقد الأدبی المنغلق على بنیة النص والمهتم بفنیات، وجمالیات النص، والمحافظ علی مؤسسة النقد منذ قرون إلى النقد الذی یقترب من الهم المجتمعی. وهذا النقد هو محاولة لربط الباحث أو الناقد فی المشاکل الاجتماعیة مقاطعاً مصطلحات النقد الأدبی الفنیة والجمالیة التی لا تقترب من الواقع الذی برز منه النص ولا تلامس هموم المجتمع. وعلی الرغم من أن النقد الثقافی یستعین بعلم الاجتماع الا أنه یجب ألا یتم الخلط بینه وبین النقد الاجتماعی الذی یدرس تأثیر الأدب فی المجتمعات وتأثیر المجتمعات فی الأدب. هذه الأطروحة بالاعتماد علی المنهج الوصفی-التحلیلی وفکرة النسق الثقافی الذی یُعدُّ من أهم آلیات النقد الثقافی، تبحث وتحلل الأنساق الثقافیة المضمرة فی روایة "مدن الملح" لعبدالرحمن منیف التی تحکی وتعبِّر عن قضایا سیاسیَّة واجتماعیَّة وثقافیّة حسَّاسة ومعقدة، عبر خرقها للسائد والمألوف والمحظور، وتجاوزها للخطوط الحمراء الفکریة والأیدیولوجیَّة التی وضعتها وکرستها السلطة بأنواعها المختلفة. فالروایّة رغم کونها خطابا فردیا إلا أنها خطاب دال وعاکس لثقافة الجماعة، وذلک من خلال استخلاصها للقیم المجتمعیة السائدة، وتحویلها إلی إشارات تفضی إلی أنساق ثقافیة تؤرخ للحقبة التاریخیّة التی ظهر فیها هذا النص، ومن أهم النتائج التی توصلت إلیها هذه الأطروحة هو أن أهم المخبوئات الثقافیة فی روایة مدن الملح، هی: الفحولة، و العار، والبداوة، والقبلیّة.