محمدجواد پورعابد

یُعدّ النقد الثقافی من المناهج النقدیة الحدیثة التی أعطت للمتلقّی فرصة تحدید النص وفکّ شفراته واستنطاق ما به من معان جدیدة، وهذا ما ننیط اللثام عنه فی أشعار أبی مسلم البهلانی الذی یُعتبر من أبرز شعراء عمان. جاء خطابه الاعتباری، لیحثَّ على عدم الرکون إلى الدنیا ولزوم الحذر من الموت. ولدعواته إلى الخیر واستنهاض المسلمین الأثر البالغ فی أحداث تاریخ عمان الحدیث، خاصة إبان حکم الإمام سالم الخروصی. استحوذت التجربة الصوفیة على الحرکة الشعریة العربیة بغرسها مفاهیم دقیقة وعمیقة الإیحاء وعلى هذا الأساس نرى قد استلهم الشعر العربی، التصوف وامتزج التصوف بالشعر حیث تجد أحوال الصوفیة قد تداخلت مع أحوال الشاعر وتبلورت فی النص وکانت مضمرةً أحیاناً أخرى. هذا کان مشهوداً فی شعر البهلانی الذی تذوّق التصوف من أوسع أبوابه واصطبغ شعره بصبغته الممیّزة. تزاید الاهتمام فی یومنا هذا بدور العوامل النفسیة فی تکوین سیکولوجیة الشخصیة لدى الإنسان ونظراً لهذه الأهمیة قامت الدراسات الحدیثة بالتحلیل النفسی لشخصیة الأفراد من خلال نصوصهم الأدبیة والتعرف على سلوکیاتهم وأنماط شخصیتهم، لقد احتوى دیوان البهلانی نصوصاً، تُمکّن الباحث من إسقاط نظریات الشخصیة على سلوک الشاعر وإظهار أهم أبعاد شخصیته وملامحها. تُعدُّ الأشعار السیاسیة للبهلانی محمّلةً بأنساق مضمرة ومضمّنة بمحمولات ثقافیة وسیاسیة مناهضة للمستعمر البریطانی. ارتأینا فی هذه الدراسة أن نعالج الخطاب الشعری لأبی مسلم البهلانی فی الأنساق الدینیة والصوفیة والنفسیة والسیاسیة. اعتمد البحث على ضوء النقد الثقافی، لاستظهار الأنساق المضمرة فی الخطاب الشعری للبهلانی عبر المنهج الوصفی- التحلیلی وقد جاء فی عدة أنساق منها الدینیة والوعظیة وقد حاکها البهلانی فی عباءة النسق الفحولی، وأحیاناً باخعاً نفسه فی نسق انکساری وإیدیولوجی. ونقرأ فی النسق الاعتباری من الموت نسقاً تحذیریاً للأنا والآخر، وقد تمّ کشف النسق الصوری عبر الصور الجمالیة للتشبیه فی الدراسة.کما أنَّ الأنساق الصوفیة احتوت فی ذاتها؛ الرموز الصوفیة کالکشف والشهود والحب الإلهی والخمرة الربانیة والاغتراب الصوفی فی جوٍّ معبّأ بالنسق العرفانی للأنا الصوفی. والأنساق النفسیة التی تجلت فی أنماط مختلفة من شخصیة الشاعر کالشخصیة المتطرفة ذات النسق العدائی المتشدد تجاه الآخر والشخصیة النرجسیة وقد برز فیها النسق الاست