ناصر زارع

برز موضوع مخططات الصورة إثر بحوث ودراسات، قام بها بعض العلماء المعاصرین فی مجال اللسانیات المعرفیة، کجونسون ولایکوف، محاولة منهم للقیام بفهم عمیق وحدیث للاستعارة. فالاستعارة الحدیثة التی یسمّیها جونسون استعارة مفهومیة، تقوم على المفاهیم التجریدیة التی یحاول الذهن البشری أن یجد ویخلق لها تعبیرا مادیا ملموسا، من خلال الاستعانة بالتجربة المعاشة للإنسان بجسمه فی بیئته وحیاته. تعتبر الاستعارة التصویریة (مخططات الصورة)، التی تندرج فی إطار الاستعارة المفهومیة، صورة جسدانیة لمفاهیم تجریدیة نفهمها بعون تجاربنا الفضائیة ـ المکانیة والحرکیة. إنّ هذه التجارب هی جزء من الثقافة التی ننتمی إلیها کفرد، وکجزء من جماعة توارثت هذه الثقافة بشکل إرادی ـ شعوری، وکذلک لاشعوری ضمن النسق الثقافی الذی یشکّل نظرة تلک الجماعة إلى الحیاة وفهمها منها، وطریقة ممارستها لتجارب الحیاة، بما فی ذلک الثقافة التعبیریة التی تتّصف بها. إنّ السیمیائیة الأنثروبولوجیة التی یتّخذها هذا البحث بناءً على المنهج الوصفی ـ التحلیلی، تستجلی الدلالة الثقافیة ـ الإنسانیة للتعبیرات اللغویة ـ الجمالیة العربیة المتجسّدة بالاستعارة التصویریة فی شعر کریم معتوق أوّلا، وکذلک ثمّ البحث عن منظومة القواعد التی تشکّل الخطاب التعبیری العربی، وجذوره التراثیة، ومنطلقاته العائدة إلى تجربة الشاعر الفردیة والجماعیة. توصّل البحث إلى نتائج عدّة، أهمّها: أن شعر هذا الشاعر الإماراتی المعاصر قد اتسم بالروح التراثیة، والمسحة الثقافیة العربیة التی ترکت أثرها فی شعره. وکذلک تبیّن أن الذاکرة الجماعیة لمجتمع الشاعر بما تحمل من عناصر بدائیة وصور نموذجیة أوّلیة، قد ترکت بصماتها فی الاستعارة التصویریة الموظّفة من قبل الشاعر، فتمثّلت بثنائیّات متقابلة متجذّرة فی النسق الثقافی للمجتمع العربی الخلیجی، کما أنّ الشاعر وظّف استدعاء التراث بأنواعه فی مخططات الصورة لدیه.