ناصر زارع

إنَّ تحلیل الخطاب النقدی یعدّ أحدَ المناهج المتقدّمة فی دراسة الخطاب والتی تتعامل مع اللغة، ویساعد علی مساهمة النصّ والکلام فی خلق السلطة الاجتماعیّة والسیاسیّة والثقافیة. یهتمُّ هذا المنهج بدراسة العناصر اللغویّة والمستویات العلیا من الجملة والظروف الثقافیة والاجتماعیة والسیاسیة التی ینشأ الخطاب فیها وعلی خلاف المناهج الأخرى یهتمّ بالسلطة والإیدیولوجیا اهتماماً بالغاً. یعتقد روّاد هذا المنهج أنّ کل خطاب یتضمّن الإیدیولوجیا. قد برز هذا المنهج على ید عدد من المفکّرین وفی مقدّمتهم نورمان فیرکلاف، الذی طوّرَ دراسات فی هذا السیاق. وانطلاقًا من هذا الإطار النظری، تمّ اختیار روایة "فرانکشتاین فی بغداد" للکاتب العراقی أحمد سعداوی بوصفها نصًّا غنیًّا بالأبعاد السیاسیة والاجتماعیة التی تصلح لأن تحلل فی إطار تحلیل الخطاب النقدی. فی هذا البحث تمّ اعتماد المنهج الوصفی التحلیلی القائم على مقاربة تحلیل الخطاب النقدی کما طوّره فیرکلاف وفان دایک ووداک وغیرهم، وذلک لکونه الأنسب لدراسة النصوص الأدبیة ذات الأبعاد السیاسیة والاجتماعیة. وقد تم اعتماد منهجیة فیرکلاف الثلاثیة (الوصف، الشرح، التفسیر) بوصفها الإطار الإجرائی للتحلیل: مستوى الوصف (دراسة علاقة التضاد والترادف والتواصل بین الألفاظ وکیفیة استعمال الاستعارات والجمل التی تبیّن فکرة المؤلف)، مستوى التفسیر (تحلیل النص من خلال محتویات قسم الوصف مع الالتزام بالسیاق والتناص)، ومستوى الشرح (دراسة العوامل التی أثرت علی الخطاب السائد فی النص وارتباطه بالعوامل التاریخیة والاجتماعیة والإیدیولوجیة). أظهرت نتائج البحث أن الروایة لم تکتف بتصویر الواقع، بل قدّمت نقدًا ضمنیًا للبُنى السیاسیة والاجتماعیة القائمة. کُشف عن تفکک السلطة وفقدان الثقة بالمؤسسات، وتمّ تفکیک الخطابات الرسمیة المهیمنة التی برّرت العنف وشرعنته، وبذلک شکّلت الروایة مساحة لتولید خطاب بدیل یُسهم فی إعادة التفکیر فی مفاهیم مثل العدالة، الوطن، والهویة.