علی اصغر قهرمانی مقبل

کثیرةٌ هی الدراسات التی تدرس الروایة وتبحث فی خصائصها، لأنّها الجنس الأدبی الأکثر رواجاً فی العصر الحدیث، لکن الملاحظ على معظم تلک الدراسات اهتمامها بالجانب الظاهری والشکلی لها أو بنیتها وإغفال دلالاتها وبالتالی ضیاع وغیاب قیمها الفکریّة والمعنویّة التی هی مغزى العمل الفنّی بالنهایة؛ لذا تروم هذه الدراسة تلافی هذا النقص الهامّ من خلال دراستها لروایة عربیّة مهمّة على مستوى البنیة والدلالة؛ وهی روایة "الزمن الموحش" للروائی السوری حیدر حیدر. وللتوصل لهذه الغایة تستخدم الدراسة الحالیّة، المنهج التحلیلی- الوصفی لبحث بنیتها (روایة الزمن الموحش) والمنهج السوسیو- سایکولوجی لدراسة جانبها الدلالی. ومن النتائج المهمّة التی توصّلت هذه الدراسة إلیها أنّ البنیة والدلالة فی هذه الروایة تضافرتا فی التکوین الجمالی لها؛ کما نلمسُ ذلک على مستوى البنیة وأسلوبها الحداثی متمثّلاً فی تیار الوعی، وزمنها الدائری الجدلی وانزیاحاته وتداخلاته وتوازیاته، ومثلما نشهده فی بولیفونیّة رؤیتها السردیّة. وأمّا أغراضها ودلالاتها وثیماتها الرئیسة تجلّت فی بنائها والأسلوب المذکور أیضاً؛ ومن أهمّ هذه الدلالات: جدلیّة التراث والحداثة وأزمة المجتمعات العربیّة والفرد فیها؛ المتجسّد فی شخصیّات الروایة وما تعانیه من اغتراب وضیاع وإحباط وتخلّف واستبداد وقمع وتزمّت وکبت...، کما بیّنت الروایة سبل النهوض بهذه المجتمعات ورفع ما یعیقها عبر حوارات وحلول أو أیدیولوجیات شخصیّاتها المتنورة -وهو الذی حدى بها أن تکون روایة حواریّة بامتیاز- بین حلول واقعیّة أو مثالیّة لکن دون أن تنجح فی تنفیذ أیّاً منها بسبب فقدان وغیاب الإرادة الحقیقیّة لأصحاب القرار والظروف والشروط التاریخیّة أو الأرضیّة العریضة الصلبة والموضوعیّة المتمثّلة فی بنى مادیّة وفکریّة واجتماعیّة عمیقة متراکمة تسهّلها وتخرج بها من الحیّز النظری المجرد إلى مرحلة التطبیق.